
بقلم /خالد العرفي
السحر الطبيعي.. مشاهد حياة
-----------------------------------
حالة من الجمال النوعي الفريد لا نطالعها ولا نشعر بها الا الابحار في الصور الفوتوغرافية القديمة أو اللوحات الزيتية للمستشرقين الذين وثقوا حركة الحياة في الشرق وبصفة خاصة مصر.. ومن هذا القبيل أيضا الأفلام التوثيقية القديمة في ذات الشأن. وبصفة تاريخية ترجع نشأة السينما تاريخيا وبدايات صناعتها وربما تعود إلى عام ١٨٩٥م في أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا.. حيث يعتقد مورخو السينما أن بدايات هذا الفن وهذه الصناعة قد ظهرت نتيجة مزيج ثلاثة إختراعات هي اللغة المرئية والفانوس السحري والتصوير الفوتوغرافي.. بينما يعتقد بعض المؤرخين أن بدايات السينما ترجع إلى الملاحظة التي أجراها جيوفاني باتستادي لابورتا في كتاب السحر الطبيعي للفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي في ١٥٥٨م، حيث أشار دافنشي في كتابه إلى أنه إذا جلس شخص في غرفة مظلمة، بينما تشرق الشمس في الخارج، ولديها ثقب صغير في أحد جدرانها، ثم الجلوس في الغرفة يمكن أن يرى على ظلال الجدار المقابلة أو خيال خارج غرفة الأشجار أو العربات أو الأشخاص نتيجة الشعاع تخترق الغرفة من الحفرة الصغيرة.
وقد ساهم بصفة أساسية الاكتشاف الذي سجله الأخوان أوجست ولويس لومبارد وهو جهاز يمكنه عرض صور متحركة على الشاشة وكان امرا مذهلًا حقا ورائعًا، وتم تقديم العرض العام الأول عندما أصبح معروفًا باسم التصوير السينمائي، وشاهده الجمهور بالفعل في 28 ديسمبر من نفس العام في مدينة باريس.
وقد أكد العديد من المؤرخين أن لويس لوميير هو المخترع الحقيقي للسينما، حيث قام باختراع أول جهاز لالقاء وعرض الصور السينمائية، ومنذ ذلك الحين أصبحت السينما حقيقة ملموسة.
وربما يكون أحد أهم الاكتشافات التي عرفتها البشرية في عصرنا الحالي هو صناعة السينما ، مما فتح آفاقا لعديد من الصناعات والفنون الثقافية والمعرفية ولأهداف متعددة، بل وفتح الباب على نطاق واسع لعالم الخيال والفهم السلوكي والتعبير عن ميول الإنسان بشكل عام.
وبعد إختراع التصوير السينمائي ليس بفترة كبيرة كان لكل من القاهرة والإسكندرية نصيب من مدن العالم في أعمال التوثيق للمشاهد الحياتية وحركة الحياة اليومية خاصة مع تواجد الرحالة وحضور رواد هذا الفن وفي ظل وجود الأجانب والرعايا وبصفة خاصة من الإنجليز الفرنسيين وتليونانيين والإيطالين .. ورغم قصر مدة هذه الأفلام النادرة وبعضها موجود في المتاحف إلا أنها توثق بصورة حية وواقعية لمهن وحرف َربما عادات تراثية إنقرضت بالفعل.. فضلا عن الزي والملابس التي تظهر فئات وطبقات المجتمع وحتى التباين بين انواع المباني من مكان إلى آخر.. وهذا الفيلم وغيره من الأفلام كما يظهر به بائعو الجرائد والباعة الجائلون والحلاقون الذين يمارسون مهمتهم في الطرق العامة والنواصي والبوابون والمكاريون (وهي من انواع المواصلات المستخدمة آنذاك للطبقة الشعبية وصولا للجمال والبغال) فضلا عن الأسواق والمقاهي والمحلات.. والانواع القديمة من سيارات الركوب والرام القديم وأيضا القطارات.. وكلها اشياء وثقتها رواد التصوير الفوتوغرافي والسينمائي
واخيرا يرى الناقد السينمائي والمؤرخ فيليب كونجلتون أيضًا أن التصنيف الدقيق للتصوير السينمائي في التاريخ عاش في مرحلتين من الفيلم، وهما: (الصمت والكلام)، الذي تبلور في عدة عصور:
------------------------
والحياة فى جوهرها، ودون تشذيب، وزخرف من قول، هى الحقيقة المفقودة، التى تظهر شيئا فشيئا، للعقل، دون ألوان، إلا لون الحقيقة المجردة فتتوهج الروح فى عالم صاف، بلا زخرفة، أو إنتقاء. تفسح المجال لتُظهر، ما نسميه بالتجارب، تفاصيل خافية عن العقل، فتعبّر حينئذ، الحياة ذاتها، عن نفسها، بكل مافيها، بصورة واضحة، غثا وسمينا، فلا يشطح الفكر، ولا يندفع، إلا سعيا وراء حقيقة، بلا رتوش. . هى الحقيقة المفقودة، دوما. . غائبة فى معين عميق، ودرب طويل. ومنذ ذلك الحين، الذى يقف الإنسان على هذا، وتظهر له تلك الحقيقة، يشعر فعلا أنه على قيد الحياة، متلألئا كالجوهر، متفجرا وهج فكره، متدفقا ذهنه. يعبر العواصف والدوامات. لا يجمح به جامح، إلى مخمل حريرى، فيستكين، ولا إلى لا معقول شائك، فيتوه، فى خضمّ كينونته. وبكل معنى الكلمة، يبدأ الإنسان، وسط تأثير فراغ الحياة من هذا الجوهر، ليعى ويدرك لب الحقيقة. الأمر أشبه برؤيا كشفية له، ليس لها علاقة أو صلة، بمكان أو زمان، ولا حدود، إلا أن عين العقل، وبصيرة تمسك بها، تأويلا وتفسيرا. دون شك، إن الأفق العقلى الذى يحدّ الأمر، لا يكون فى متناول كل إنسان، فهى قدرات خاصة، الأصل فيها هبة إلهية، وعطاء ربانى. وغريب الأمر، إن ثورة العقل هذه على نفسه، هى الأخرى أشبه بمعجزة مؤقتة بقدرها، وثيقة الصلة بتلك الرؤية الغيبية، التى تجعل الإنسان، ربما يسخر من كل شئ مرّ عليه من قبل، لإنه لم يعٍ الحكمة، آنذاك، وهو فى حقيقته كان أمرا، يفسح له طريقا، إلى الحقيقة. ولكل شئ حقيقة، وشيئا فشيئا، يمدّ العقل به ومعه، بخطوة إلى الأمام. يجاهد كل شئ، دون أن يدرك، أن هذا فعلا ما يحدث فى زمان محدد، أومكان معين. ولا يحدّه العقل، فى حينه. ولولا هذا، ما إجتاز العقل آفاقا، ولضاعت أفكار، إلى آخر الأبد.
قليل من البشر، من يحيا هذه التجارب العميقة. تختارهم لها الأقدار، ويختارهم القدر، لها. مثل الوقوع على قطعة أثرية مطلسمة، لا تكتشف سرها أبدا، إلا إذا انفصلت عن الواقع لتغوص فى تاريخ غير مرئى، وتتمعن أبعادا غير منظورة، وكل شئ لازال، فى مكانه، أمام ناظريك. حينئذ، فقط، يُضاف سطر جديد لتاريخ البشرية، عبر الروح، يُعلى من قيمته المسطورة، فى بطن الزمن، كيفية إكتشافه، وإستعادة ما فقد منه، جوهرا نفيسا، فى مسيرة الإنسان، خلال حياته. وحتى لو لعبت الصدفة القدرية، دورها فى الوقوف على فكرة أو إبداع، أو إكتشاف، فلو لم يكن هناك مثل هذه النظرة الكاشفة، بعين العقل وراء الأفق، ما تقدمت البشرية، ولما قرأ إنسان شيئا، يحمل من إبداع، من قبل. والواقع المتراكم من تجارب الحياة، ليس وحده كافيا، دون هذه النظرة الثاقبة، تعزوها روح خيال خلاق مبدع. لذا، وقطعا لهذا السبب، فإن العلماء والمفكرين والأدباء الحقيقيين، ندرة وأشد من الندرة، نفسها. فالألوان وحدها فى يد الفنان أو الرسام، ليست كافية أبدا، دون روح محلقة بعينى العقل، والخيال. وهنا فقط، لا ينفصل كلاهما، لا العقل، ولا الروح، عن بعضهما. وفلسفة الجمال لها دور كبير، فى هذا التذوق. وفى الأدب، هذا الأمر قلما نصادفه، وهو فقط، الذى يؤثر، فى النفس، كما تؤثر تماما الحقيقة التاريخية، التى لاشك فيها أبدا، مغادرة بنا، إلى جهة أوسع من العالم نفسه، سالخين جلد الزمن، فيحيا الإنسان الجمال، لا أن يتذوقه فقط.. يترك نقطة زمنية، إلى بقاع أخرى رحبة، فيصل إلى جوهر ما يحمله الزمن، نفسه، من حقيقة وحيدة، بعين العقل، ولكنه يعيشها جمالا بعد جمال. تنظر بها الروح، وتقرأها غاصّة فى كل فريد وفذّ، تحررا من الجسد. هى خطوات، بعد خطوات. صفاء من بعد نشاز. بشكل أفضل كثيرا جدا، مما نتخيل أى شئ يحوى حقيقة، فى غير ذلك. والأدب، وإن حمل أسئلة من قبيل، كيف نكتب، ولمن نكتب، وماذا نكتب، وكينونة الكتابة ذاتها، إلا أنه يحمل من ذلك كثيرا. وربما هذا هو السبب الأساسي الذى جعل "جان بول سارتر" يؤلف كتابا كاملا عنوانه (ما الأدب). هى دائرة عملاقة، من الجمال والفكر والإحساس، وكلما تقدمت خطوة وتوغلت داخلها، لم ترغب فى الخروج منها، بعيدا عن كل شئ، بحثا وراء حقيقة لكل شئ، بعينى العقل والخيال..
-----------------------------------
وابحارا في عالم الفن والفلسفة، والكون والفضاء والنظر دائماً إلى السماء.. واعماق النفس في أدب دوستويفسكي، ورسائل كافكا وكامو ورسائل لا تصل،.. وروح جميلة غامرة بالحياة.. قليل من البشر حقا في هذا العالم، من يحمل بوصلة هذا الإبحار.. بل هم خليط من كل الأزمان والعصور، يحيون جدليات الإغريق.. ويمنحون بالصمت للحياة معنى، تلك المعاني والأفكار العصية على التعريف المتحررة من قيود الزمن والمكان.. ذلك العالم العظيم من الجمال المدهش الذي ينتفض ويولد من رحم التأمل والتفكر في جماليات الحياة بكل انواعها الذاخرة.. الأمر الذي يفتح مجالات للشعور أو البحث حتى عن النسيان المستحيل لذكريات مضت.. وليس كما قال ألبير كامو ( ليس هناك ألم عظيم ولا ندم ولا ذكريات.. كل شيء ينسى حتى الحب العظيم..) فكل طرق النسيان ومنها التأمل في الجماليات التي لا تؤدي حتما إلى النسيان بل ربما انتهت بالتذكر..
ولكل روح طريقها للسعادة أو التعاسة وتعمق الفنان أو الاديب في اغوار النفس البشرية ضرورة حتمية لوصف ما لايمكن وصفه على الحافة بين الممكن والمحال كرحلة في جنبات تناقضات النفس البشرية في قوتها وضعفها وآلامها ومعاناتها وإخفاقاتها.
وعلم الجمال يُعنى بالنظريات الفلسفية التي تفسّر تطوّر وتبدّل النظرة إلى علم الجمال، فالإنسان يحكم بالجمال على ما يحبه ويعجبه سواء في الحياة أو في الطبيعة، ولكن هذه الأحكام تتحول بفعل الإبداع إلى تعبير ينطوي على إدراك خاص بفعل شعور وانفعال وخيال، "تتحول إلى حدس يُنتج لغةً من الكلمات أو الأصوات أو الصور الجميلة." وبمعنى آخر يبحث علم الجمال أو فلسفة الفن في التعبير الجميل عما يدركه الإنسان،
وهذا العلم يتصل بالعديد من العلوم الإنسانية كالنقد الأدبي والفني، وأيضاً بتاريخ الفنون وعلم النفس والاجتماع، كما يتصل بالفلسفة التي قدّمت النظريات والرؤى الأساسية للجمال، فلا تكاد تخلو فلسفة أي من الفلاسفة الكبار في التاريخ البشري من تأمّل في هذا الموضوع المهمّ لحياة البشر.
ومن هنا إذا لم يرَ الكاتب الجمال ويتوغل فى تفاصيله فليس بكاتب أو أديب ولن يكون، بدون هذه القيم الجمالية حينما لا يتعايش فيها، أو تحيا بوجدانه.. واعرض من حين لآخر مجموعات من اللوحات أو مجموعة من الصور كجماليات من فترات زمنية وأماكن مختلفة، من أرشيفى.. فيها ما تراه العين وما لا تراه، إلا بفكر وغوص فى الماضى.. ولا يمكن أن ينطق القلم إلا إذا كان وراءه إحساس بالفكرة ومعناها.. والجمال منبع كل شعور.. وهو ليس فقط فى الطبيعة، إنما فى كل شئ فى الحياة، والوجود من حولك.. هذا مما لا يعطيه لك إلا لمس الجمال، الذى يكون فطرة، ثم متعة وحياة. وتأمل مع سلوك النفس والروح إليه كل طريق، بكل ما فى الكلمة من معنى.. حاول أن تصف مبنى، مصنعا، محطة،.. شارعا أو ميدانا،.. إمرأة أو رجلا.. أو تجمعا بشريا، وغير ذلك مما تراه فى هذه الصور. غص فى عمق الماضى فيما وراء الصورة. إختر تفصيلا ما ثم حاول أن تنظر وراءه. هكذا، أنت لن تصبغ الأدب بالحياة، أو تنقل الحياة إلى الأدب، إلا إذا أحسست بالحياة والجمال،.. بهما معا.. وهكذا الألم، والحب، وغيرها من مشاعر إنسانية عميقة، لن تقدر أن تعبر عنها أبدا، ولن تشعر بها حينما تقرأ، إلا إذا رأيت عمق النفس، وحنايا الروح...
--------------------------------------------
ومن غريب الإبحار في عالم الجمال خضت تجربة أسميتيها لنفسي ( ذاكرة البحر) حاولت أن أستعيض أو أستبدل بناء قصة ما بلوحات فنية من صور مختلفة ولفنانين مختلفين وكان موضوعها البحر كرواية بلغة جديدة تشكلت من أكثر من مائتى لوحة زيتية لعشرات الفنانين العالميين... عمل إبداعى للغة جديدة من نوعها أعتقد أننى صاحبها.. يمكننى أن أستعيض عن أى لوحة بعبارة أو فقرة، كروح من السماء تأتينى،..لا أعرف حقا، كل هذه المعانى التى تأتينى حينما يأسرنى عمل فنى.. فى كل لحظة، أتعلم كثيرا من الفن بكل صوره وأشكاله.. يعطيك هدوء النفس وعواصف الوجدان والشعور الدائم بالمعانى الحية... يجعل الأفكار أمامك ويعطيك الصوت والحركة وكل شئ.. أكتشفت كثيرا أننى ما زلت لم أكتب شيئا، ليس له قيمة، أو تأثير.. لو لم أشعر بهذا الإحساس.. ولا يزال الكثير لأمضى نحوه، لتمسك به قبضة العقل والروح، فكرا وأدبا وفنا.. وما أجمل القصّ، وما أقوى الإيهام، والتعبير، لهذه اللغة، التى تتباين معانيها وتتوارد، بشكل مذهل.. تسمعك ما فى العالم من حياة، وتندهش لكثرة مدلالوتها، وإرهاصاتها.. إن العلاقة بين الألوان والفراغ أو فضاء اللوحة والعناصر التى تتوزع عليها.. كل شئ يجعلك تتسائل ماذا قصد الفنان هنا، فى هذا اللون، أو هذا التكوين.. تستنطق الصمت فتهدر المعانى، فى الروح.. تود لتعرف، فيما كان يفكر، وبم كان يشعر، حينما أبدع هذا.. الحياة والموت والكون وكل تفاصيل الحياة.، وكل معنى يمكن أن تجده، حينما ترى وتقرأ الصورة، بهذا الشكل، فتذهب بك إلى عالم آخر .. بعض هذه اللوحات يرجع عمره لأكثر من مائتى سنة، والبعض الآخر من القرن العشرين.. فترات تغطى تاريخ الفن.. ويتباين نوع المدرسة الفنية الذى ينتمى إليه الفنان بعمله.. من الكلاسيكية.. التعبيرية.. الرمزية.. إلى الإنطباعية.. وهكذا، لو تضافرت هذه الخلفيات والإنطباعات عن الفنان والعمل وموضوع اللوحة.. مع الربط والتنامى فى الخط الدرامى، للتشكيل ككل.. أو الموضوع الذى عبّرت عنه اللوحات.. تجد هذه اللغة الجديدة... تتناول المكان والزمان والشخوص، لرواية يمكن قراءتها وتذوقها.. لكن للأسف ليس كل فرد قادر، على هذه القراءة الجديدة، وقد يفشل فى ذلك،... والعمل يلقى تبعية المضمون والرؤى المتنوعة، على ثقافة القارئ والمتذوق للفن والجمال.. وربما هذا أفضل كثيرا، لإنعاش الفكر والتأمل.. فللفن بكل أنواعه، أهمية كبيرة فى تكوين وتشكيل وجدان الأديب، كالفنون التشكيلية، والموسيقى، وغيرها من فنون.. بل هو كذلك حتما، مما له بالغ الأثر والقوة فى الإلهام والخيال، ووهب معين لا ينضب من الأفكار، للكاتب والأديب.. وبلا ريب هى من جماليات الفن وعلاقتها بكينونة الأدب، وفحواه..وقد سبق أن وضعت بعضا من هذه المحاولات بصور متنوعة من الفنون،.. محاولا خلق معان جديدة بتذوق جديد.. وقد تابع قراء ومتابعو المدونة، من هذه المحاولات بصور من جماليات متعددة.. وهذا هو رابط ذاكرة البحر بالمفهوم الذى إختصرت الإشارة إليه آنفا..
0 تعليقات